أنا المغترب................
ها هو الخريف يعود مرة ثانية وفي نفس المكان أرى ذاك العجوز للمرة الثانية بعد أن استعار اهتمامي المرة الأولى في الحديقة العامة على ذاك المقعد الخشبي الذي ابتل بعض الشئ من
المطر والأوراق المتساقطة المبللة صاحبة الألوان الترابية تتناثر من حوله
وأمامه قفص العصافير فارغ وهو يجلس على المقعد متأملا ذاك المكان .
كان يلبس معطفاً طويلا أسود ويأتي كل صباح حاملاً حقيبة جلدية , يمشي مشية بطيئة متراخية ليس ت دالة على مرض أو
ضعف بل كان يملك مشية ساكنة , يجلس على المقعد ينظر من حوله مع أن المكان
يفتقر إلى الزوار في مثل هذه لأيام من السنة ولكنه يحب أن يأتي في مثل هذا
الوقت كما هو واضح , يفتح حقيبته ويخرج علبة السجائر الانجليزية ويشعلها
مستمتعاً بالهواء الرطب , وما حوله من أشجار عالية وعارية وأوراق بالية
مترامية هنا وهناك وقطرات الماء على بتلات الأزهار التي تزهر في هذا الموسم .
يخرج دفتره صاحب الأوراق الصفراء المائلة للون البني ويكتب , ولا أدري ما يكتب , ربما يكتب مذكراته , ثم يمضي الوقت ويترك أوراقه ويذهب ويمشي قليلاً ويتنفس بعمق شديد , ويجمع بعضاً من الأوراق المتساقطة ويضعها بين صفحات دفتره ثم يجمع أغراضه ويرحل .
قررت
هذه المرة أن أتجرأ وأذهب اليه , فذهبت بخطوات مترددة تعبر عن مدى خوفي من
رد فعله ومن تقبله أسئلتي التي أبحث عن جواب لها من المرة الاولى , ولكني
أكملت الطريق باتجاهه وهو يصب نظره في أوراقه , ثم جلست بجانبه على ذاك
المقعد , ولم يشعر بوجودي ولم يعرني نظرة , مما أكد لي أنه يضع كل تركيزه
فيما يكتب , ولكني احترت فيما أفعل كي أبدأ الحوار معه .فقلت :ماأجمل هذه
الرائحة ؟؟فقال ونظره لا يزال في أوراقه : إنها رائحة التراب بعد أول مرة ينزل بها المطر . قلت :أحب رائحة تراب وطني .
صمت قليلاً ونظر الى السماء ثم قال : وأنا أحبها لكنها ليست رائحة تراب وطني . قلت بطريقة ملؤها الاستغراب : ألست من هذا البلد فرد بصوت أليم : لا .فتابعت الحديث بسؤال سريع وقلت له من أي بلد ؟؟ فدمعت عيناه ثم جمع أوراقه وأغلق حقيبته واستعد للرحيل فوقفت معترضاً طريقه مكرراً سؤالي : من أين أنت ؟؟؟ فأخذ نفساً عميقا وقال :
ها هو الخريف يعود مرة ثانية وفي نفس المكان أرى ذاك العجوز للمرة الثانية بعد أن استعار اهتمامي المرة الأولى في الحديقة العامة على ذاك المقعد الخشبي الذي ابتل بعض الشئ من
المطر والأوراق المتساقطة المبللة صاحبة الألوان الترابية تتناثر من حوله
وأمامه قفص العصافير فارغ وهو يجلس على المقعد متأملا ذاك المكان .
كان يلبس معطفاً طويلا أسود ويأتي كل صباح حاملاً حقيبة جلدية , يمشي مشية بطيئة متراخية ليس ت دالة على مرض أو
ضعف بل كان يملك مشية ساكنة , يجلس على المقعد ينظر من حوله مع أن المكان
يفتقر إلى الزوار في مثل هذه لأيام من السنة ولكنه يحب أن يأتي في مثل هذا
الوقت كما هو واضح , يفتح حقيبته ويخرج علبة السجائر الانجليزية ويشعلها
مستمتعاً بالهواء الرطب , وما حوله من أشجار عالية وعارية وأوراق بالية
مترامية هنا وهناك وقطرات الماء على بتلات الأزهار التي تزهر في هذا الموسم .
يخرج دفتره صاحب الأوراق الصفراء المائلة للون البني ويكتب , ولا أدري ما يكتب , ربما يكتب مذكراته , ثم يمضي الوقت ويترك أوراقه ويذهب ويمشي قليلاً ويتنفس بعمق شديد , ويجمع بعضاً من الأوراق المتساقطة ويضعها بين صفحات دفتره ثم يجمع أغراضه ويرحل .
قررت
هذه المرة أن أتجرأ وأذهب اليه , فذهبت بخطوات مترددة تعبر عن مدى خوفي من
رد فعله ومن تقبله أسئلتي التي أبحث عن جواب لها من المرة الاولى , ولكني
أكملت الطريق باتجاهه وهو يصب نظره في أوراقه , ثم جلست بجانبه على ذاك
المقعد , ولم يشعر بوجودي ولم يعرني نظرة , مما أكد لي أنه يضع كل تركيزه
فيما يكتب , ولكني احترت فيما أفعل كي أبدأ الحوار معه .فقلت :ماأجمل هذه
الرائحة ؟؟فقال ونظره لا يزال في أوراقه : إنها رائحة التراب بعد أول مرة ينزل بها المطر . قلت :أحب رائحة تراب وطني .
صمت قليلاً ونظر الى السماء ثم قال : وأنا أحبها لكنها ليست رائحة تراب وطني . قلت بطريقة ملؤها الاستغراب : ألست من هذا البلد فرد بصوت أليم : لا .فتابعت الحديث بسؤال سريع وقلت له من أي بلد ؟؟ فدمعت عيناه ثم جمع أوراقه وأغلق حقيبته واستعد للرحيل فوقفت معترضاً طريقه مكرراً سؤالي : من أين أنت ؟؟؟ فأخذ نفساً عميقا وقال :
عدل سابقا من قبل Ro0opin ho0od في 26/11/08, 07:51 am عدل 1 مرات