رموز
يحيطون بنا في كل مكان، وصناع رأي يتصدرون أغلفة الجرائد والمجلات،
يعتبرهم الناس أعلاماً يتلقون عنهم أفكارهم، ويشكلون من خلالهم تصوراتهم،
رموز سياسية وإعلامية ودينية، يمثلون طليعة أي مجتمع، وهم الدرع الفكري
والتوجيهي الذي يتترس بهم المجتمع، لكنهم في ذات الوقت قد يكونون هم
الخديعة الكبرى.
والخديعة هنا تصيب الرمز أولاً، ثم يمارس هو الخديعة بعد ذلك – بوعي أو غير وعي، أي أنه يبدأ مخدوعاً ثم يتحول إلى زعيم الخداعين.
فالرمز
السياسي والديني عادة يكتسب شعبيته بقوة طرحه، وجدة فكرته، وحيوية ما
ينادي به، وهو عادة يبدأ بالتوجيه في نطاق ضيق، ثم لا تلبث وسائل الإعلام
أن تكتشف وجوده، فتشحذ كلاليبها، وتأتي به إلى منصة عامة حيث يراه الجميع،
ثم تعلن بعد ذلك نبأ إعدامه. كم من رموز أسقطتها الكاميرات!!
فالرمز بعد فترة قد تخدعه آلة الإعلام وتحرفه عن مساره، فتزين له هذه
الحالة من الوفرة الإعلامية، وبدلاً من أن يتخذ من الإعلام معراجاً لتسديد
ضربة قاضية للواقع المؤلم، إذا به يصبح سلعة إعلامية، هذه السلعة يجب أن
تغلف بشكل يتناسب مع احتياجات التسويق، وإدرار العوائد المادية الضخمة. ثم
تتحول "الشهرة" إلى وظيفة يخشى فقدانها، ويصبح افتقاد الكاميرا هو الديدن،
أخشى أن أحدهم سيسمي ابنته "عَدَسَة"!!
وبداية من هذه النقطة يتحول الضحية إلى جان، ويتحول المخدوع إلى خادع، ويبدأ الاتجار بالكلمة، وتبدأ "مافيا الرموز" في العمل!!
أقول
علينا أن نحذر الخديعة، لأن بعض الرموز يبدأون زاهدين في الإعلام، وينتهون
متشبثين به، يبدأون مستخدمين له، وينتهون عبيداً أجراء عنده، يبدأون
بأفكار نحن في أمس الحاجة إليها، ثم ينتهون بأفكار لا حاجة لنا بها،
يبدأون بالإنفاق من جيوبهم من أجل أن تصل رسالتهم وأفكارهم الفعالة للناس،
وينتهون بوضع أيديهم في جيوب الناس قائلين لهم "صوتوا للبرنامج"، "ابعثوا
رسائل sms". وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، إذ يظهر صبية تعلموا الصنعة،
فيبدأون من حيث انتهى أساتذتهم، فيضعون أيديهم في جيوب الناس مباشرة.
لكن ترى ما هو المطلوب إزاء "مافيا الرموز"؟!
إن أي أمة بحاجة إلى رموز، لكنها بحاجة كذلك إلى رقابة مدنية على أولئك
الرموز، فالرمز ليس مطلوباً لذاته، وهو يكتسب قيمته من دوره، فقد يكون
الرمز هادم الأوثان أو صانعها، أداة تثوير أو تسكين، يرفع الوعي أو يسحقه.
لذلك كان دور الرقابة هو التأكد من الدور الوظيفي الفاعل للرمز. وأعني
بالرقابة هنا العمل النقدي العلمي، الذي يشيد بالإيجابيات ويحذر من
السلبيات، فهو يهدف إلى تصويب مسار الرموز لا إيقافه، وإعادتهم إلى الجادة
لا قتلهم إعلامياً، ليظلوا رموزاً يُعتز بهم. أي أن هذا الجهد النقدي
الرقابي يهدف إلى حماية الرمز من طغيان الكاميرات، والحفاظ عليه كمكسب
ثمين لمجتمعه، وهذا الأمر ضروري لضمان جودة الرموز، وضمان استمرار
الفاعلية، والحفاظ على قوة المجتمع، فالرمز الذي يحرك الجماهير في
البداية، هو نفسه الذي قد يقعدهم بعد ذلك!!
إنني أجد في كرة القدم خير منهجية للتعامل مع الرموز، فالرمز يصعب أن
يخون فريقه، أو يصوب نحو مرماه، لذلك فأنزه الرموز في رأيي هم رموز كرة
القدم، ولجمهور كرة القدم دور كبير في ذلك، إذ الجمهور لا يقدس اللاعب،
فإن أخطأ في الملعب انهال عليه بالسب واللعن، وإن بلغ به الحماس مداه؛ مزج
السب واللعن بوابل من الحجارة المدببة، فجمهورالكرة يحسن رجم الرموز، أما
إن أحسن وأجاد وسدد الهدف؛ شجعه وملأ الكون تصفيراً وتصفيقاً، وحمله فوق
الأعناق. هذه القدرة العجيبة على الحمل فوق الأعناق ثم الطرح أرضاً إن لزم
الأمر هي التي أثارت اهتمامي، فالجمهور كفيل بإسقاط لاعب وهدم معنوياته،
أو دفعه لاستكمال نجاحاته، لأنه يدرك تماماً هدف اللاعب من نزول الملعب،
ولذلك يحمل اللاعب ألف حساب للجمهور للذكي، الذي لا تخدعه المهارات في
الملعب، أو الحركات الاستعراضية بالكرة، بقدر ما تعنيه الأهداف.
إننا
في أمس الحاجة إلى ألا ننبهر بالأشكال الاستعراضية للرموز، بقدر ما نكتسب
الجرأة على سؤالهم.. ما هدفكم؟ حتى نستطيع تقويم أدائهم في ضوئه.
على كل رمز يعمل على توجيه العامة أن يدرك أنه اختار الطريق الأصعب،
طريق المغارم لا المغانم، وأن المجتمع رقيب عليه، وستقوم مشاريع ومؤسسات
خصيصاً لهذا الغرض، دورها ضمان الجودة.. "جودة الرموز".
إن مجتمعاً
يحاسب رموزه ويسألهم "إلى أين أنتم متجهون؟" حري به أن ينهض، ولا يوجد رمز
فوق المساءلة، مساءلة تتعلق بالأفكار والمواقف، ومساءلة تتعلق بالثروة
والمال، سواء كان رمزاً دينياً أو سياسياً أو إعلامياً، أما الرموز
الرياضية فالجماهير الذكية كفيلة بهم..
وائل عادلمن موقع اكاديمية التغيير
يحيطون بنا في كل مكان، وصناع رأي يتصدرون أغلفة الجرائد والمجلات،
يعتبرهم الناس أعلاماً يتلقون عنهم أفكارهم، ويشكلون من خلالهم تصوراتهم،
رموز سياسية وإعلامية ودينية، يمثلون طليعة أي مجتمع، وهم الدرع الفكري
والتوجيهي الذي يتترس بهم المجتمع، لكنهم في ذات الوقت قد يكونون هم
الخديعة الكبرى.
والخديعة هنا تصيب الرمز أولاً، ثم يمارس هو الخديعة بعد ذلك – بوعي أو غير وعي، أي أنه يبدأ مخدوعاً ثم يتحول إلى زعيم الخداعين.
فالرمز
السياسي والديني عادة يكتسب شعبيته بقوة طرحه، وجدة فكرته، وحيوية ما
ينادي به، وهو عادة يبدأ بالتوجيه في نطاق ضيق، ثم لا تلبث وسائل الإعلام
أن تكتشف وجوده، فتشحذ كلاليبها، وتأتي به إلى منصة عامة حيث يراه الجميع،
ثم تعلن بعد ذلك نبأ إعدامه. كم من رموز أسقطتها الكاميرات!!
فالرمز بعد فترة قد تخدعه آلة الإعلام وتحرفه عن مساره، فتزين له هذه
الحالة من الوفرة الإعلامية، وبدلاً من أن يتخذ من الإعلام معراجاً لتسديد
ضربة قاضية للواقع المؤلم، إذا به يصبح سلعة إعلامية، هذه السلعة يجب أن
تغلف بشكل يتناسب مع احتياجات التسويق، وإدرار العوائد المادية الضخمة. ثم
تتحول "الشهرة" إلى وظيفة يخشى فقدانها، ويصبح افتقاد الكاميرا هو الديدن،
أخشى أن أحدهم سيسمي ابنته "عَدَسَة"!!
وبداية من هذه النقطة يتحول الضحية إلى جان، ويتحول المخدوع إلى خادع، ويبدأ الاتجار بالكلمة، وتبدأ "مافيا الرموز" في العمل!!
أقول
علينا أن نحذر الخديعة، لأن بعض الرموز يبدأون زاهدين في الإعلام، وينتهون
متشبثين به، يبدأون مستخدمين له، وينتهون عبيداً أجراء عنده، يبدأون
بأفكار نحن في أمس الحاجة إليها، ثم ينتهون بأفكار لا حاجة لنا بها،
يبدأون بالإنفاق من جيوبهم من أجل أن تصل رسالتهم وأفكارهم الفعالة للناس،
وينتهون بوضع أيديهم في جيوب الناس قائلين لهم "صوتوا للبرنامج"، "ابعثوا
رسائل sms". وليت الأمر يتوقف عند هذا الحد، إذ يظهر صبية تعلموا الصنعة،
فيبدأون من حيث انتهى أساتذتهم، فيضعون أيديهم في جيوب الناس مباشرة.
لكن ترى ما هو المطلوب إزاء "مافيا الرموز"؟!
إن أي أمة بحاجة إلى رموز، لكنها بحاجة كذلك إلى رقابة مدنية على أولئك
الرموز، فالرمز ليس مطلوباً لذاته، وهو يكتسب قيمته من دوره، فقد يكون
الرمز هادم الأوثان أو صانعها، أداة تثوير أو تسكين، يرفع الوعي أو يسحقه.
لذلك كان دور الرقابة هو التأكد من الدور الوظيفي الفاعل للرمز. وأعني
بالرقابة هنا العمل النقدي العلمي، الذي يشيد بالإيجابيات ويحذر من
السلبيات، فهو يهدف إلى تصويب مسار الرموز لا إيقافه، وإعادتهم إلى الجادة
لا قتلهم إعلامياً، ليظلوا رموزاً يُعتز بهم. أي أن هذا الجهد النقدي
الرقابي يهدف إلى حماية الرمز من طغيان الكاميرات، والحفاظ عليه كمكسب
ثمين لمجتمعه، وهذا الأمر ضروري لضمان جودة الرموز، وضمان استمرار
الفاعلية، والحفاظ على قوة المجتمع، فالرمز الذي يحرك الجماهير في
البداية، هو نفسه الذي قد يقعدهم بعد ذلك!!
إنني أجد في كرة القدم خير منهجية للتعامل مع الرموز، فالرمز يصعب أن
يخون فريقه، أو يصوب نحو مرماه، لذلك فأنزه الرموز في رأيي هم رموز كرة
القدم، ولجمهور كرة القدم دور كبير في ذلك، إذ الجمهور لا يقدس اللاعب،
فإن أخطأ في الملعب انهال عليه بالسب واللعن، وإن بلغ به الحماس مداه؛ مزج
السب واللعن بوابل من الحجارة المدببة، فجمهورالكرة يحسن رجم الرموز، أما
إن أحسن وأجاد وسدد الهدف؛ شجعه وملأ الكون تصفيراً وتصفيقاً، وحمله فوق
الأعناق. هذه القدرة العجيبة على الحمل فوق الأعناق ثم الطرح أرضاً إن لزم
الأمر هي التي أثارت اهتمامي، فالجمهور كفيل بإسقاط لاعب وهدم معنوياته،
أو دفعه لاستكمال نجاحاته، لأنه يدرك تماماً هدف اللاعب من نزول الملعب،
ولذلك يحمل اللاعب ألف حساب للجمهور للذكي، الذي لا تخدعه المهارات في
الملعب، أو الحركات الاستعراضية بالكرة، بقدر ما تعنيه الأهداف.
إننا
في أمس الحاجة إلى ألا ننبهر بالأشكال الاستعراضية للرموز، بقدر ما نكتسب
الجرأة على سؤالهم.. ما هدفكم؟ حتى نستطيع تقويم أدائهم في ضوئه.
على كل رمز يعمل على توجيه العامة أن يدرك أنه اختار الطريق الأصعب،
طريق المغارم لا المغانم، وأن المجتمع رقيب عليه، وستقوم مشاريع ومؤسسات
خصيصاً لهذا الغرض، دورها ضمان الجودة.. "جودة الرموز".
إن مجتمعاً
يحاسب رموزه ويسألهم "إلى أين أنتم متجهون؟" حري به أن ينهض، ولا يوجد رمز
فوق المساءلة، مساءلة تتعلق بالأفكار والمواقف، ومساءلة تتعلق بالثروة
والمال، سواء كان رمزاً دينياً أو سياسياً أو إعلامياً، أما الرموز
الرياضية فالجماهير الذكية كفيلة بهم..
وائل عادلمن موقع اكاديمية التغيير